هناكَ تبدأ الأرضُ والبحارُ وسماءُ السّمواتِ، روحًا من روحِ الله على الغمرِ ..
وتصيرُ المرأةُ - بروحِ الإلهِ - حياةً منهُ...
تصبحَ حواء المرأةُ هي أمَّ كل حي، ام الحياةِ، وحياةَ الحياةِ!!.
لِمَ المرأةُ؟!...
لأنّ حواء الثانية من روحِ الله اخذَتْ الحياةِ!!.
لأنّها، منذُ مولدِها من بتوليّةِ الحبِّ الإلهيِّ، تطايرتْ طفلةً على درجاتِ الهيكلِ مغرّدةً بيقين:
هذا بيتُ إلهي!!... هذه منازلُ ومساكنُ أبي!! هنا أُودعْتُ لأصيرَ، به، مسكنًا له، إذ أسكنني روحَهُ القدّوسَ، وكانت محبة الهي حياةً لي، منهُ أنطقتني "النّعمَ" الكونيّةَ، الّتي صيّرتني مسكنا للإلهِ الطّفلِ المتجسّدِ منّي أنا إنسانةَ الحياةِ... إنسانةَ التدبير الإلهي الّتي اختارني منذُ بدءِ الدّهورِ... إنسانةَ الوعدِ الإلهيِّ!!.
+++
هكذا تفتّقَتِ الحياةُ الجديدةُ من الموتِ العتيقِ!!.
إذ كانت حوّاءُ القديمةُ عديلةَ الرّجلِ في الموتِ فانها صارت في العذراء حاملةً روحَ الحياة.
امرأةُ العهدِ القديمِ أتاها الرّجلُ... عرّفتْهُ "بالثمرة المحرمة"... "هنا بدأ السقوط"!!.
وناحَ الكونُ إذ التقى السّقوطان!!.
ارتعدَتْ وخافَتِ الأرضُ!!. إلى أينَ نذهبُ بهذَين؟!.
ها إنّهما بدأ برميِ أقذارِهما في وجهِنا، في البحارِ، في مغايرِ ومخازنِ المياه!!. في العِلْمِ الّذي قزّموه حتّى التاع الإنسانُ من هاجسِ الصّراعِ لأجلِ البقاءِ... هوّلوا همَّهُ من استنباطِ إشاراتِ الحياةِ، للولوجِ في الضّوءِ، الدّاخلِ في عتميّةِ حسِّهِ الجسديِّ ،
وإذ صَيَّرَ جسدَهُ انفعالاتِ نزواتِ حسِّهِ... صارَ أسودَ الرّوحِ والرّؤيا والعينِ والنّظرةِ إلى كيانِهِ...
صار قردًا في عينِ أمِّهِ الأرضِ...
انعطَفَ على ذاتِهِ... علا... علا... حتّى طالَ العتماتِ الجحيميّةَ في أعمقِ غمرِ روحِهِ، محوِّلاً كيانَهُ إلى خطايا.
ثمَ سكنَ... بل استراحَ في ما خلَقَهُ هو واحب عملَ يدَيهِ، عاشقًا ذاتَهُ!!...
وإذ سقطَ في تطويبِ معرفتِهِ، أسقطَ الله في كُنهِ عدمِ المعرفةِ، في جَهْلِ أحكامِ الكونِ حولَهُ... في الغوايةِ.... في اللّامنظورِ... في اللّامُدْرَكِ... فَقَدَ الرّوحَ... وإذْ أضاعَ ذاتَهُ... ماتَ!!!...
هكذا ماتَ الإنسانُ!!...
ونظرَتْ حوّاءُ صِنْوَها تخشَّب... فألقَتْ بجسدِها على جسدِهِ... نفخَتْ فيه روحَ الحياةِ... نَفَسُها الّذي من نَفَسِهِ أعادتْهُ له ليحيا!!. كرّرَتِ المحاولةَ مَرَّةً... مَثْنى وثلاثًا!!.
فاستفاقَ على طعمِ جسدِهِ في جسدِها ونَفَسِهُ في نفسِها...
أحسَّ بلهيبيّةِ نارِ الجحيمِ الّتي سقطَ فيها وهو وحدَهُ... أمّا الآنَ فصارَ الجحيمُ جسدَ حوّاءَ امرأتِهِ منذُ السّقوطِ...
وصرخَ الكونُ حولَ الجدَثَين... "من يُخَلِّصُنا من جسدِ الموتِ هذا؟!"...
و"بنورِكَ نعاينُ النّورَ"... ؟؟!!... لا!!.
بالموتِ صارَتِ الحياةُ كذبةَ الموتِ الّتي عشقَها الإنسانُ!!. بموتِ الرّجلِ والمرأةِ، صارَتِ الحياةُ كذبةَ البقاءِ... صارتِ الحياةُ موتًا!!...
صارتِ الحياةُ الجديدةُ العتيقةُ موتًا!! وصارَ الإنسانُ بالموتِ لا يعرفُ إلاّ الموتَ!!. موتَ الآخرِ وموتَ ذاتِهِ!!...
وصَوَّتَ الإلهُ!!... "أين أنتَ يا آدمُ؟!".
لم يُجِبْ آدمُ صوتَ الإلهِ... خافَهُ!!. خافَهُ لأنّه سقطَ في حوّاءَ جسدِ الموتِ!!. خافَ لأنّ أولادَه صاروا أولادَ الموتِ يتناسلون الموتَ الّذي وُلدَ منه، فعاشَهُ حتّى ثمالةِ الاختناقِ، حتّى ولّد الموتِ ذاته وجوده منه!!. صارَ جسدُ حواءَ مطرحًا لاستقبالِ بذرةِ الإثمِ... بذرةِ الموتِ... وماتَ الكونُ!!...
وَمَرِضَتِ المرأةُ!!. مرضَتْ فتاةُ الموتِ!!. مرضتْ حوّاءُ بمرضِ الموتِ!!. بمرضِ الإحناءِ والانحناءِ تحت سطوةِ جسدِ الموتِ الّذي لبسَتْهُ... صارَ لباس الموتِ حياتَها المائتةَ في الرّكضِ وراءَ جسدِ الحياةِ لتلقى موتَ كلِّ ما أنجبَهُ جسدُها من أطفالٍ وأفعالٍ وأفكارٍ!!.
وإذ أحاطَها الموتُ وصنعُ يدَيها منذُ بداءةِ الموتِ فيها ومعها... غضبَتْ... عَنُفَتْ!!..
صمتَتْ... ثم تجرّأتْ حوّاءُ على الإلهِ... قاتلتْهُ بحسِّها... بكلماتِها... بأفكارِها... بشأوِها عليه... وصرخَتْ به: لماذا خلقتَني هكذا يا الله؟!... مولودةً من الموتِ، لأعودَ إليهِ كلّما أولَدْتُ الحياةَ لأجدَ الموتَ يتآكلُني وذريّتي، أفكاري وكليّةَ أفعالي؟!...
كيف آذيْتُكَ؟!... كيفَ ولماذا كافأتَني هكذا؟!... يا الله؟؟...
لم يُجبْها الإلهُ!!، لم يجبْ كِذْبتَها!! التّي خانتْهُ بها... تَرَكَتْهُ ميتًا في موتِها، حتّى لم يعُدْ فيه روحٌ لحياتِها بل صارَ الموتُ خاصيَّتَها... اسمَها وحياتَها!!... صارَ الموتُ من الإلهِ لها ولذريّتِها... صارتْ هي تموتُ فيهِ كلَّ لحظةٍ!!. تحيا لتموتَ... لِتُنبِعَ الموتَ في كلّيَّتِها.
ماتَتْ وأماتَتْ إلهَها فيها!!.
وبكَتِ الأرضُ نواحَ المرأةِ الّتي صارَتْ من دونِ اسمٍ!!.
والتمعتِ السّمواتُ بنارِ جحيمِ الحياةِ المائتةِ الّتي خرجَتْ من أحشاءِ حوّاءِ (مريم) الموتِ وأفعالِ (مرتا) أختِها الّتي آلَتْ للموتِ أيضًا وأيضًا!!...
ما القصدُ الإلهيُّ؟! ما النّيّةُ؟!... لم الحياةُ؟!. من يُرْجِعُ النّورَ إلى العتماتِ الظَّلِمَةِ؟!... ألا من صوتٍ يصرخُ: أعطني حياتي، أطلق يدَيّ من الظلمةِ وظلالِ الموتِ؟!.
+++
وكان على الحياةِ المائتةِ أن تعودَ إلى بداءتِها!!. إلى ما قبلَ الموتِ!!. إلى الولادةِ الّتي ليسَتْ من العدمِ... وليستْ من رحمِ امرأةِ السّقوطِ ولا من حوّاءِ وآدمِ الموتِ!!.
وصرخَ الإلهُ... ليكن كلُّ شيءٍ جديدًا!!.
وصارَ صمتٌ!!. غلَّفَ السّكونُ الكونَ... لفَّ الغمامُ الأرضَ بأَكملِها... ألبسَها حلّةَ البياضِ!!.
من حلمِ موتِ الحياةِ المائتةِ تلكَ استبانَ نجمٌ جديدٌ التمعَ من عمقِ البحارِ الّتي ماتَتْ... لتعودَ الحياةُ إلى المغارةِ بعد أنِ انهدَمَ سقفُ السّمواتِ على الأرضِ!!!...
وكانَ على الحياةِ أن تولدَ الآنَ من حشا الإلهِ الطّفلِ "الكلمةِ"...
انهمَرَ مطَرُ الغسلِ ليصيرَ الأبُ جديدًا... وصارتْ دموعُ عذريّةِ امرأةِ الحبِّ البتوليِّ الجديدِ مريمَ... سقيَ الأرضِ والأرحامِ والقلبِ والرّوحِ الجديدِ...
صارتْ دموعُ مريمَ العذراءِ غسلَ تنقيةِ آدمَ وحشا حوّاءَ!!.
صارَ، بالغسلِ... بماءِ الرّوحِ، كلُّ شيءٍ جديدًا!!...
لأنّ اليومَ اليومَ تولَدُ المرأةُ الأمُّ، العذراءُ مريمُ!!... الّتي حملَتْ سقوطَ حوّاءَ في كيانِها، آتيةً بها، فيها، إلى هيكلِ الرّبِّ لتسمعَ كلامَهُ... وكان يسوعُ يُعلِّمُ في أحدِ المجامعِ يومَ السّبتِ... وكان على مريمَ أن ترافقَهُ لتسمعَ كلامَهُ!!...
اليومَ صيّرَ يسوعُ الكلمةَ العتيقةَ جديدةً!!.
أتتْهُ المرأةُ... امرأةُ الموتِ... امرأةُ السّقوطِ...
المرأةُ الحاملةُ روحَ المرضِ المميتِ الّذي أناخَها لئلاّ تستطيعَ أن تنتصبَ البتّةَ... انقَضَّ عليها روحُ المرضِ المميتِ - روحُ الحيّةِ الشّيطانِ، قاتلِ الحياةِ- فأفقدَها الحياةَ... انحنَتْ بمرضِها لا لتعاينَ النّورَ، بل لتعودَ إلى أرضِ الموتِ الّتي منها أُخِذَتْ والّتي أماتَتْها قرونٌ لا تُحصى ولا تُعدُّ...
اليومَ مريمُ البتولُ... حوّاءُ النّورُ وكلمةُ الحياةِ... تأتي!!...
اليومَ رأى يسوعُ حوّاءَ المرأةَ الميتَةَ عبرَ السّقوطِ بانحنائِها إلى الموتِ آتيةُ لتسمعَ كلامَهُ... "فلمّا رآها يسوع، دعاها وقالَ لها: إنّك مُطْلَقَةٌ من مرضِكِ... ووضعَ يديه عليها وفي الحالِ استقامَتْ"...
رسمَها يسوعُ المسيحُ، بوضعِ الأيدي، كاهنةً ملوكيّةً للعهدِ الجديدِ بمريمَ البتولِ، فأعلَتِ الرّأسَ إليهِ!!.
عرفَتْهُ ربَّها إلهَها... خالقَها... سيّدَ حياتِها (وعريسَها)... "فمجّدَتِ الله"...
الأمّ مريم (زكّا)- رئيسة دير القدّيس يوحنّا المعمدان- دوما – لبنان.